أحمد العبد
رام الله | تلقّت المنظومة الأمنية الإسرائيلية، صباح أمس، صفعة قوية في مستوطنة «أرائيل»، التي تُعدّ أحد أبرز معاقل الاستيطان في الضفة الغربية، وذلك جراء عملية إطلاق نار استهدفت حافلة للركاب تضم مستوطنين وجنوداً، ما أسفر عن إصابة 9 منهم، 3 منهم بجروح خطيرة والآخرون بجروح ما بين متوسطة وطفيفة. ونجح منفّذ العملية، وهو سامر حسين (46 عاماً) من بلدة عينابوس، في رصد الحافلة، وتنفيذ كمين لها، حين ترجّل من مركبته وفتح النار من سلاحه الأوتوماتيكي عليها، مفرّغاً 3 مخازن من الرصاص، قبل أن يستشهد برصاص جنود الاحتلال، لتعلن لاحقاً «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، مسؤوليتها عن العملية.
وبحسب المصادر العبرية، فإن منفّذ العملية أسير محرر، وقد تمّ اعتقاله في عام 2003، بينما كان يزرع عبوة ناسفة لاستهداف جنود العدو. وفي أعقاب الهجوم الذي نفّذه في «أرائيل»، فرضت قوات الاحتلال طوقاً عسكرياً مشدداً في المكان، وأغلقت الطرق والشوارع المحيطة بها، وحتى البعيدة عنها، وشرعت في عملية بحث وتمشيط واسعة، في ظل حديث تقارير عبرية عن الخشية من انسحاب منفّذ ثانٍ من المكان، وهو ما تبيّن عدم صحته لاحقاً. كذلك، اقتحمت قوات من جيش الاحتلال بلدة عينابوس بالعديد من المركبات العسكرية، وداهمت منزل الشهيد.
وتظهر المعطيات المتوافرة وجود تخطيط جيد لتنفيذ العملية؛ إذ إن الفدائي ارتدى درعاً واقية من الرصاص وجعبة عسكرية، وامتلك بندقية أوتوماتيكية من نوع «أم 16»، وهو على الأغلب رصَد الحافلة غير المصفّحة التي كانت متوجّهة إلى «تل أبيب»، وفور توقفها عند محطة الانتظار فتح النار عليها. وفي المقابل، وعلى غرار كل عملية نوعية مماثلة، تخبّطت روايات الاحتلال إزاء التفاصيل، فيما رجّحت تقديراته أن المنفّذ «لم يتصرّف بمفرده، بل كان جزءاً من خلية، ولذا، يُعمل الآن على الوصول إلى الأشخاص الذين ساعدوه، وزوّدوه بالسلاح وبالمركبة»، وفقاً لإذاعة الجيش.
ومن المتوقّع أن تخلّف العملية الجديدة قلقاً كبيراً لدى أجهزة الاحتلال الأمنية والاستخباراتية، كونها تشكّل بالدرجة الأولى نجاحاً فلسطينياً في تنفيذ هجوم نوعي بكل تفاصيله، سواء من حيث الأدوات، أو اختيار الموقع الجغرافي الاستثنائي، أو القدرة على الرصد وإيقاع الخسائر. ويقابل النجاح الفلسطيني، بالضرورة، فشل أمني واستخباراتي وعسكري إسرائيلي في منع العملية قبل وقوعها، وليس التعامل مع تداعياتها في ما بعد، خصوصاً أنها جاءت في وقت تطبق فيه إسرائيل بفكيها على الضفة الغربية أمنياً واستخباراتياً وعسكرياً، مع تطويرها بنية مرعبة في ملاحقة الفلسطينيين ورصد أنفاسهم. ودوماً ما تشكّل مثل هذه العمليات هاجساً لدى الاحتلال، لأكثر من سبب، أهمها احتمال أن تمثّل نموذجاً ناجحاً قد يحتذي به فلسطينيون آخرون، وخاصة في ظل التقديرات الأمنية التي تشير إلى أرجحية تجدد تلك الهجمات، نظراً إلى استمرار الحرب على قطاع غزة.
تُعدّ العملية بمثابة دلالة على ديمومة الفصائل الفلسطينية وأجنحتها العسكرية في الضفة الغربية
أيضاً، تحمل العملية في طياتها أبعاداً أكثر عمقاً وأهمية، وخصوصاً بعد تبنيها من قِبل «كتائب القسام» التي شدّدت، في بيان التبنّي، على أن «كل القرارات التي كُتبت بحبر الحكومة الصهيونية المتطرفة، والتي تستهدف بها الضفة الغربية، ستدفع ثمنها دماً مسفوكاً من أجساد الجنود والمغتصبين في كل محافظات الضفة»، ما يعني أن الكتائب موجودة على الأرض وقادرة على التخطيط وتنفيذ عمليات معقّدة. كذلك، يُعد الهجوم بمثابة دلالة على حيوية الفصائل الفلسطينية وأجنحتها العسكرية في الضفة الغربية وديمومتها، وهو يحمل رسالة تحدٍّ إلى الاحتلال بأن الملاحقات المفتوحة لكوادر الفصائل والعمل الوطني، واستراتيجية «جزّ العشب»، ليست نتيجتها الحتمية اجتثاث الفعل المقاوم.
في المقابل، ألقت عملية «أرائيل» بظلالها على المستوطنين؛ إذ قال «رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية»، يوسي داغان، إن وقوع عملية صعبة جداً في شارع مركزي، يظهر ارتفاع مستوى «حرب الإرهاب التي تشنها وتموّلها السلطة الفلسطينية»، بحسب تعبيره. وطالب داغان، حكومة بنيامين نتنياهو وكبار قيادات الجيش، بإغلاق جميع الحواجز الأمنية وشنّ عمليات عسكرية على جميع البنى التحتية للسلطة وجمع السلاح المتوافر لديها والمسّ باقتصادها لأنها تسمح بهذه العمليات. ومن جهته، رأى رئيس مجلس «مستوطنة كدوميم»، أن «الوقت مناسب الآن لدخول مدن الضفة بقوة كبيرة وتفتيشها منزلاً منزلاً وتطهيرها من الأسلحة والإرهابيين». وفي هذا السياق، من المتوقّع أن تشهد مناطق متفرقة في الضفة هجمات لعصابات المستوطنين، الذين اعتادوا عقب كل هجوم فدائي إطلاق دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتحشّد على مداخل القرى والبلدات الفلسطينية، والقيام بأفعال حرق وتدمير وإطلاق النار داخلها.
والجدير ذكره أن محافظة الخليل شهدت، مساء أمس، محاولة تنفيذ عملية شبيهة بعملية «أرائيل»، حيث تعرّضت قوة من جيش الاحتلال لإطلاق نار قرب المدينة، من دون التبليغ عن وقوع إصابات. وذكرت إذاعة الجيش، أن سيارة مسرعة نجحت في إطلاق النار بكثافة تجاه قوة منه، لتنسحب بعد ذلك من المكان، ويدفع العدو بقوات كبيرة إلى المنطقة لإجراء عمليات تمشيط واسعة بحثاً عن مطلقي النار.